آداب التعامل مع كتاب الله
الحمد لله رب العالمين الكريم المنان، ذي الطول
والإنعام، والفضل والإحسان، الذي هدانا للإيمان، وفضل ديننا على سائر الأديان،
بإرساله إلينا أكرم خلقه عليه، محمد –عليه الصلاة والسلام–، وأنزل إليه خير كتبه
القرآن، المعجزة المستمرة على تعاقب الأزمان.
وبعد:
فإن الله -تعالى-
لما أكرمنا بهذا القرآن العظيم، وهذه المعجزة الخالدة، وجبت علينا آداب نتأدب بها
تجاه القرآن، فلنكن معه على أحسن حال؛ إكراماً لهذا الكتاب العزيز، وبقدر مكانته
فينا بقدر مكانتنا فيه.
وهناك جوانب كثيرة في التعامل معه. ومنها:
أولاً: ما يتعلق بقراءته:
·
فمن الآداب: أن يستحضر القارئ -أولاً في نفسه- أنه يناجي ربه –تعالى-، وليقرأ على
حال كأنه يرى الله، ويخاطبه.
·
ومن الآداب أيضاً: إذا أراد أن يقرأ القرآن أن ينظف فاه بالسواك، وغيره، وليكن
بعود من أراك وهو الأفضل، وإلا جاز بما يقوم مقامه، وأن لا يقرأه إلا وهو على
طهارة، فإن قرأ مُحدِثاً جاز بإجماع المسلمين.
·
ومن الآداب: أن يقرأ القرآن في مكان نظيف استحباباً، واستحب جماعة من العلماء
القراءة في المسجد؛ لكونه جامعاً للنظافة وشرف البقعة، واختلف العلماء من السلف في
كراهتها في الحمام1، فذهب إلى عدم الكراهة الشافعية، وقد نقل ذلك ابن المنذر في
"الأشراف" عن إبراهيم النخعي، ومالك، وهو قول عطاء. وذهب إلى الكراهة
جماعة منهم: علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وشقيق بن سلمة، والشعبي، والحسن
البصري، ومكحول، وقبيصة بن ذؤيب. قال الشعبي: تُكره القراءة في ثلاثة مواضع: (في
الحمامات، والحشوش و بيوت الرحى وهي تدور)، وأما القراءة في الطريق، فالمختار أنها
جائزة غير مكروهة إذا لم يلته صاحبها.
·
ومن الآداب أيضاً: استحباب أن يقرأ القرآن وهو يستقبل القبلة متخشعاً، متفكراً؛
لقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ
عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24) سورة محمد. هذا هو الأكمل وإلا لو قرأه
قائماً، أو على غير ذلك من الأحوال جاز، وله أجر لكن دون الأول. فقد قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ
جُنُوبِهِمْ} (191) سورة آل عمران.
·
ومن الآداب -كذلك-: أنه إذا أراد الشروع في القراءة استعاذ، فقال: (أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم)، هكذا قال الجمهور من العلماء2. وكان جماعة من السلف –عليهم رحمة الله– يقولون: (أعوذ بالله
السميع العليم من الشيطان الرجيم)، ولا بأس بهذا، ولكن الاختيار هو الأول. ثم إن
التعوذ مستحب، وليس بواجب3.
فإذا شرع في القراءة، فليكن شأنه الخشوع، والتدبر عند
القراءة، والدلائل عليه أكثر من أن تحصر، وأشهر، وأظهر من أن تذكر فهو المقصود
المطلوب، وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب، قال تعالى:
{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ
أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}(29) سورة ص.
·
ومن الآداب: أن يحافظ على قراءة البسملة (بِسْمِ اللّهِ
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، في أول كل سورة سوى براءة؛ فإن أكثر العلماء
قالوا إنها آية، حيث تكتب في المصاحف، فإذا أخل بها فقد أخل بالبسملة، وكان تاركاً
لبعض القرآن عند الأكثرين. وخالف بعض السلف في ذلك.
·
يستحب ترديد الآية للتدبر، وقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح بآية،
والآية هي: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ
وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة
المائدة4.
·
كما ينبغي لمن قرأ القرآن أن يرتل قراءته، وقد اتفق العلماء -رضي الله عنهم- على
استحباب الترتيل قال الله -تعالى-: {أَوْ زِدْ عَلَيْهِ
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (4) سورة المزمل. وثبت عن أم سلمة –رضي
الله عنها– أنها نعتت قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: (قراءة مفسرة
حرفاً، حرفاً)5.
قال العلماء: والترتيل مستحب للتدبر وغيره، قالوا: يستحب
الترتيل للأعجمي الذي لا يفهم معناه؛ لأن ذلك أقرب إلى التوقير والاحترام، وأشد
تثبيتاً في القلب.
ويستحب إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله الرحمة، وإذا مر
بآية عذاب استعاذ بالله من عذابه، وأليم عقابه.
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء