قرى الأطلس المغربي.. معاناة من التهميش والثلوج
يستعد سكان قرى الأطلس المتوسّط لفصل الشتاء
مبكرا منذ أكتوبر/تشرين الأول، فيطحنون ما يكفيهم لشهور من القمح ويقتنون كل ما هو
ضروري من المواد الغذائية، ويجهزون حطب التدفئة. وإذا كان من حظ أهالي تاحفشانت جوارهم
لغابة الأرز التي يجمعون منها الحطب لمواجهة البرد القارس، فإن سكان باقي القرى المحيطة
بإفران يشترون حطب التدفئة، وتحتاج الأسرة الواحدة لطنين من الحطب بقيمة ألفي درهم
(حوالي 112 دولارا).
يأخذنا سعيد في جولة حول بيته، يشرح لنا
بإشارات يده وحديث أمازيغي تتخلله كلمات عربية أن الثلوج التي تكسو الجبال في فصل الشتاء
تضيف إلى أعبائهم عبء شراء علف المواشي التي تظل طيلة مدة تساقط الثلوج حبيسة الحظائر.
يشتري سكان المنطقة الذين يمتهن معظمهم
تربية الماشية، كيس الشعير بـ220 درهما (نحو 25 دولارا) وكيس النخال بـ110 دراهم (حوالي
12 دولارا)، ففي هذه الجبال حياة الماشية لها أهمية كما هي حياة الإنسان بالنسبة للقرويين.
بنية تحتية هشة
تقع قرية تاحفشانت بمنطقة البقريت التابعة
للجماعة القروية وادي إفران التي يبلغ عدد سكانها 10 آلاف نسمة أي 2358 أسرة، حسب نتائج
إحصاء 2014. وتعاني هذه المنطقة من أوضاع مزرية بسبب التهميش الذي تعاني منه منذ عقود،
هذه الأوضاع دفعت الساكنة إلى الخروج في مسيرة احتجاجية نهاية أغسطس/آب الماضي للمطالبة
بمشاريع تنموية وتقوية شبكة الطرق وتحسين البنية التحتية.
معاناة النساء وباقي سكان قرية تاحفشانت
تتفاقم في موسم تساقط الثلوج
وتبعد المدرسة الابتدائية عن تاحفشانت بستة
كيلومترات، يذهب إليها صغار هذه القرية والقرى الأخرى البعيدة مشيا على الأقدام مرورا
بغابة الأرز لاختصار الطريق، وبسبب البرد القارس وتساقط الثلوج يضطر التلاميذ لملازمة
البيوت والتوقف عن متابعة دروسهم لأن الثلوج تحول دون وصول المعلم والتلاميذ للمدرسة.
ومن أجل الولادة، تضطر نساء هذه الدواوير
إلى الذهاب وهن مثقلات بآلام المخاض إلى مستشفى مدينة تمحضيت الذي يبعد حوالي 50 كيلومترا
أو مستشفى آزرو الذي يبعد حوالي 70 كيلومترا، أما في حالة انقطاع الطريق بسبب الثلوج،
فتبقى الحوامل تحت رحمة الله وخبرة بعض النساء الكبيرات في السن.
مواجهة الصعوبات
تتعدد المشاكل والصعوبات التي يعانيها سكان
القرى الجبلية في الأطلس المتوسط والتي تُحوّل حياتهم إلى معاناة لا تنتهي، بعض الأشياء
على بساطتها تشكّل بالنسبة لهم مشكلة حقيقية. فقضاء الحاجة في هذا الطقس البارد أحد
أوجه المعاناة.
ففي هذه القرى، لا تتوفر البيوت المبنية
بالتراب والقصدير والبلاستيك على مراحيض، بل يقضي السكان حاجتهم في الخلاء وسط الثلوج،
مما يُسبب لهم أمراضا كثيرة، أو يضطرون إلى قضائها في أكياس بلاستيكية إذا ما وجدوا
صعوبة في الخروج إلى الخلاء بسبب تساقط الثلوج بكثافة.
يتمسك القرويون بالجبال ويرون الحياة خارجها
سجنا. ورغم إمكانياتهم البسيطة والحياة الصعبة التي ولدوا وكبروا فيها، فإنهم راضون
بحياتهم، يقتسمون المراعي ويواجهون بتضامن قساوة الطبيعة ووعورة الجبال. "هذا
ما وجدنا عليه أجدادنا وآباءنا وعلى نفس أسلوب الحياة نستمر"، يقول إسماعيل وهو
ينظر إلى الجبال المكسوة بالبياض، آملا أن يكون مستقبل أحفاده أفضل.
تحويل كودإخفاء محول الأكواد الإبتساماتإخفاء